المادة    
قال: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله] وقوله: (بذنب) الصواب أن نقول: بذنب دون الكفر؛ لأن الخوارج والمعتزلة يكفرون بالذنوب، فنقول: المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب مطلق الذنب ما لم يستحله، فإن استحله كفر للاستحلال لا للذنب.
قال المصنف: [والمراد بقوله: (أهل قبلتنا) من يدعي الإسلام] فأهل القبلة من يدعي الإسلام، وقد تكون الدعوى صحيحة وقد تكون باطلة، قال: "ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي؛ فهو يعد مسلماً ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وهنا يجب التنبيه إلى أن الإمام الطحاوي يقول: [ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين]، والمصنف قال: [ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم]، فجعل الكفر منحصراً في التكذيب، وهو شبيه بقول المرجئة الذين يجعلون الإيمان هو التصديق، والكفر هو التكذيب، أما أهل السنة فنواقض الإسلام كثيرة عندهم، ولهذا فإن أدق وأصح عبارة أن نقول: إن من يدعي الإسلام ويستقبل القبلة، وإن كان من أهل الأهواء والمعاصي فهو مسلم، ما لم يأتِ بناقض من نواقض الإسلام أو لم يرتد عن دينه؛ لأن كلمة (الردة) أعم من أن يكون قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً، مثل الأقوال التي إذا قالها الإنسان ارتد وخرج من الدين وإن لم يعتقد التكذيب، مثل سب الله أو سب الدين والسخرية به أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال المنافقون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكذب ألسنة، ولا أرغب بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء، هم لم يستهزئوا بالدين حقيقة لكنهم استهزءوا بالقراء، وهذا استهزاء مجمل، ومع ذلك قال الله تعالى في حقهم: ((قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ))[التوبة:65]، والأفعال أيضاً منها كفر بالله: كأن يذبح لغير الله أو يهين كتاب الله، أو يطوف حول قبر ويدعو صاحبه مع أنه لم يكذب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لكنه فعل فعلاً يخرجه عن الإيمان والملة.
وفي الحديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: {وحسابهم على الله} قال الحافظ رحمه الله وغيره: (على) تدل على الإيجاب، وليس هذا بصحيح.
وقد أجاب العلماء على هذا، فقالوا: إن معنى هذا مثل معنى: ((مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ))[الأنعام:52] أي: ليس إليك حسابهم ؛ فيكون المعنى: أن الله هو الذي يتكفل بهم وأن حسابهم إليه، وليس فيه معنى الوجوب.